تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
52734 مشاهدة
الأدلة من القرآن على وجوب قبول السنة

...............................................................................


ثم الذين فقهوا القرآن يجدون في القرآن أدلة تأمرهم وتكلفهم بقبول السنة؛ مثل آيات الْحِكْمة؛ الحكمة فُسِّرَتْ بأنها السنة، وإن كان الله تعالى يفتح على من يشاء من خلقه بذلك، فقوله تعالى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وفُسِّرَتِ الحكمة بأنها السنة، يعني: أنه يُوَفِّقُ من يشاء لحفظها، ومن حفظها، واجتهد في حفظها والعمل بها فقد أوتي خيرا كثيرا، والله تعالى أيضا أخبر بأن رسوله عليه الصلاة والسلام يبلغها؛ يُبَلِّغُ هذه الحكمة.
إذ قال الله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ علمهم القرآن، وعَلَّمَهُمْ تفسير القرآن، وعلمهم ما يتبعه وما يُكَمِّلُه، فذلك معنى: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ .
كذلك أيضا: كُتُبُ الأنبياء قبله قد أوتوا الحكمة، وهي سننهم، فقال تعالى عن عيسى وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ فالحكمة التي علمها هي ما فتحه عليه من السنة، ومن المعلومات، وكذلك ما فتحه على نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنها تسمى حكمة؛ وهكذا قول الله تعالى في الآية الأخرى في قوله تعالى: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا أنزل عليك الكتاب، وأنزل عليك الحكمة. أليس هذا دليلا على أن الحكمة -التي هي السنة- تنزل عليه، يعلمه إياها جبريل كما يعلمه القرآن؛ إلا أن القرآن له ميزة؛ فتعليمه للحكمة معناه: أنه يفتح الله تعالى عليه، ويلهمه، ويوحي إليه، فيعرف هذه الحكمة، ويعلمها لأمته.
وكانت الحكمة أيضا تُقْرَأُ كما يقرأ القرآن. دليله آية سورة الأحزاب، وهي خطاب من الله تعالى لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ الذي يُتْلَى في بيوتهن القرآن والسنة: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى يعني: يقرأ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ .
فإذن نعرف أن الحكمة هي السنة، وأنا كما نؤمر في القرآن بأوامر، فكذلك نُؤْمَرُ في السنة بأوامر، ويلزمنا قول الله تعالى الذي أمر به في القرآن، والذي أمر به رسوله في السنة، فإنه مِنْ أَمْرِ الله. ما أمر إلا بما أمره الله به. الله تعالى هو الذي علمه: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ فلما علمه عَلَّمَ أُمَّتَهُ؛ فعلى الْأُمَّة أن يَقْبَلُوا ما علمهم به نبيهم، ويمتثلوه ويسيروا عليه.